les sanctions administratives mode alternatif à l'action pénale ( en arabe)

Publié le Modifié le 04/01/2012 Vu 5 542 fois 4
Légavox

9 rue Léopold Sédar Senghor

14460 Colombelles

02.61.53.08.01

Droit pénal administratif en Algérie - Les sanctions administratives - dépénalisation . pouvoir de répression des autorités administratives

Droit pénal administratif en Algérie - Les sanctions administratives - dépénalisation . pouvoir de répres

les sanctions administratives mode alternatif à l'action pénale ( en arabe)

منافع العقاب الإداري

 كطريق بديل للدعوى الجزائية

 

 

 الأسـتاذ غـــنـاي رمضان

  كلية الحقوق بومرداس                                            

ghennairam@hotmail.fr

        

 

         لقد أصبحت الطرق البديلة لحل النزاعات تشكل لدى المعنيين بقطاعي العدالة والقانون اهتماما متزايدا لاسيما بعد تكريس الكتاب الخامس من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لتنظيم ثلاثة طرق بديلة  الصلح, الوساطة, والتحكيم.

         في الواقع, لا تنحصر الطرق البديلة لحل النزاعات في حل النزاعات المدنية والإدارية فقط بل تتعلق كذلك بالمادة الجزائية, إذ يمكن العثور في المنظومة القانونية الراهنة على أمثلة متعددة للطرق البديلة للدعوى العمومية مثل تكريس المصالحة [1], وغرامة الصلح [2]’ والغرامة الجزافية[3]  في قانون الإجراءات الجزائية, وفي قانون الجمارك[4], وفي جرائم الصرف[5].

 

         يمكن, بالإضافة إلى هذا, إحصاء مجموعة أخرى من النصوص القانونية التي تسعى  إلى الحد من ظاهرة العقاب الجزائي بشكل عام. مثل اشتراط تقديم شكوى لصحة قيام بعض المتابعات الجزائية [6], واعتبار تنازل الضحية عن الشكوى وصفحها سببا لانقضاء الدعوى العمومية في بعض الجرائم [7] , وإعفاء بعض المجرمين من العقاب حفاظا على الروابط الأسرية[8] , وإلغاء بعض العقوبات[9] , وإمكان القاضي الجزائي تسليط عقوبة حبس جزء منها نافذ وآخر غير نافذ, واستبدال عقوبة الحبس بنظام العمل من أجل النفع العام[.

 

         ليست هذه الأمثلة الطرق الوحيدة المكرسة للحد من العقاب الجزائي. لقد اهتم المشرع بتطوير نوع آخر من العقاب تختص بتوقيعه سلطات إدارية مستقلة كل واحدة منها في مجال القطاع المكلفة بضبطه. تم إنشاء ما يقارب عشرين سلطة إدارية مستقلة لحد الآن منذ صدور القانون 90-07 الذي  أنشأ المجلس الأعلى للإعلام كأول سلطة إدارية من هذا النوع[12]. يحتل مجلس المنافسة في هذا الإطار أهمية خاصة لأنه يتمتع باختصاص يوصف بأنه أفقي يسمح له بمعاقبة جميع التصرفات المخالفة للمنافسة المشروعة في أي قطاع كان.

         لقد منح المشرع سلطة العقاب لجميع السلطات الإدارية المستقلة من أجل تمكينها من أداء مهامها الضبطية المتنوعة من تنظيم ورقابة وتحكيم وغيرها. . هذا التوجه أدى إلى ظهور فئة جديدة من القواعد القانونية التي يمكن تسميتها بقانون العقوبات الإداري أو القانون الإداري الجنائي أو قانون العقوبات الإدارية وغيرها من التسميات الملائمة.

 

يقصد بالعقاب الإداري في فقه القانون العام الجزاءات المختلفة التي توقعها السلطات الإدارية المختصة على الأشخاص المعنوية والطبيعية لمعاقبتهم على مخالفة الالتزامات القانونية المقررة للمصلحة العامة.

يمكن تصنيف العقوبات الإدارية في القانون الجزائري حسب قطاعات النشاط التي تعنى بها إلى أنواع مختلفة منها: عقوبات ضريبية, عقوبات تأديبية, عقوبات مهنية, عقوبات اقتصادية وغيرها. نظرا لاتساع مجالات العقاب الإداري ينصب اهتمام هذه المساهمة بشكل خاص على العقوبات التي تختص بتقريرها سلطات الضبط الاقتصادي.

         

         يمكن القول مبدئيا أن العقاب الإداري أصبح يمثل طريقا بديلا للدعوى القضائية بوجه عام وللدعوى الجزائية بوجه خاص, لان السلطات الإدارية المستقلة أصبحت في القانون المقارن تمارس صلاحيات هي في الأصل من مهام القضاء المختص بتوقيع الجزاء المدني والجنائي على مخالفة قواعد القانون والتنظيم. أصبحت العقوبات الإدارية في بعض الدول تشكل تقنينات مستقلة  تسمح للسلطات الإدارية منافسة القضاء في توقيع الجزاء بدون اعتبار هذا التنافس مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات. يرجع سر ازدهار قانون العقوبات الإداري إلى كونه يعبر في حقيقة الأمر عن فكرتين أساسيتين متكاملتين تحاول المنظومات القانونية المقارنة تجسيدهما:  فكرة التخلي تدريجيا عن حتمية اللجوء إلى القضاء لفض بعض النزاعات, و فكرة الحد من احتكار القاضي الجزائي توقيع العقاب.

 

         أهمية العقاب الإداري في الجزائر كطريق بديل للدعوى الجزائية لا تزال في الواقع متواضعة جدا, ولكن من غير شك سوف تزداد مستقبلا نظرا للمنافع الكثيرة التي تترتب على توسيع الأخذ بنظام العقوبات الإدارية. تسعى هذه المداخلة إلى محاولة إبراز بعض هذه المنافع من اجل إثراء الحوار الرامي إلى تطوير نظام العقوبات الإدارية وتوسيع دائرة اختصاصه إلى مجالات عديدة ومتنوعة منها بالخصوص المخالفات والجنح البسيطة التي أصبح عقابها جزائيا غير مجد باعتراف من أول مسؤول على القطاع.

         يمكن حصر هذه المنافع في ثلاثة محاور أساسية: كون العقاب الإداري هو أكثر نجاعة اقتصادية من العقاب الجزائي (أولا)  وليس أقل منه حرسا على احترام الحقوق والحريات  (ثانيا)  وانه يرد الاعتبار للمنظومة القضائية العقابية (ثالثا).

 

 

أولا : العقاب الإداري أكثر نجاعة اقتصادية من العقاب الجزائي

 

         إن تولي السلطات العمومية لمهام تنظيم و تسيير القطاع الاقتصادي لا يوفر شروط النجاعة المطلوبة  نظرا لعدم مقدرة الجهاز الإداري الكلاسيكي على التجاوب مع المستجدات المستمرة لاقتصاد السوق و نظرا للطابع التقني الذي كثيرا ما تتحلى به أعمال الضبط المنجزة.

        هل تنتفع المنظومة الاقتصادية من كون السلطات الإدارية المستقلة هي المختصة بمعاقبة  المخالفات الاقتصادية ؟ من غير شك نعم لأن سلطة العقاب هذه هي جزء لا يتجزأ من وظيفة الضبط الاقتصادي وبدونها لن تستطيع هذه السلطات القيام بمهامها الضبطية المختلفة بفعالية ونجاعة. فعلا لا يمكن لسلطات الضبط إلزام المتعاملين الاقتصاديين على احترام مقتضيات القانون دون أن يكون لها سلطة ردع المخالفات المرتكبة. هذا الطرح معقول لحد كبير لأنه من غير المعقول  تصور وجودتشريع  دون تكريسه لجزاءات تضمن احترام أحكامه وكما يقال في أبجديات مقياس مدخل العلوم القانونية فإن القوانين تشترك كلها مهما اختلفت مضامينها في أنها ذات طابع جزائي بمعنى أنها تتضمن وترتب جزاءات إما مدنية أو جزائية على مخالفة بنودها. هذا ما يسمح الاستنتاج بأن استقامة مهام الضبط الاقتصادي المختلفة غير ممكنة بدون إقرار عقوبات قادرة على ردع المخالفين تتكفل بتوقيعها سلطات الضبط أفضل من أن يتولاها القاضي الجزائي لاعتبارات متعددة منها على سبيل المثال:

                                           

- أن العقاب الإداري يستمد مقوماته من فلسفة الضبط الاقتصادي الذي يستبعد التدخل المباشر للسلطات العمومية و يسهر على تولي المتعاملين في كل قطاع القيام بجميع الأعمال المرتبطة بضبط النشاطات المعنيين بها. في هذا المعنى يمكن القول بأن العقاب الإداري هو ضبط ذاتي يمارسه المتعاملون أنفسهم في إطار السلطات الإدارية المستقلة وبذلك فإن العقاب الإداري يتماشى أكثر مع العوامل الاقتصادية من العقاب الجزائي لان الجهات المكلفة بتوقيعه تتكون أصلا من أبناء القطاع اللذين هم من المفروض أدرى من القاضي الجزائي بعالم الاقتصاد.

 

- أن العقاب الإداري يكتسي طابعا تقنيا ومهنيا وأن إثبات الجرائم الاقتصادية يتطلب تحقيقات ميدانية وفحوصات محاسبية  ليس بمقدور القاضي الجزائي انجازها بسهولة نظرا لطبيعة التكوين الذي تلقاه والإطار القانوني الذي يحكمه.

- أن العقاب الإداري يأخذ بعين الاعتبار مجال اختصاص سلطات الضبط المختلفة ونوعية الصلاحيات التي منحها إياها المشرع. هذا ما لا يتحقق في العقاب الجزائي الذي يقوم على أساس تجريم عام ومجرد لا يأخذ في الحسبان خصوصيات كل قطاع على حدى.

- أن الانفتاح على اقتصاد السوق يتنافى مع استمرار العمل بالنظام العقابي الموروث عن مرحلة الاقتصاد المسير الذي يتسم انه كثير التجريم في المجال الاقتصادي تماشيا مع مبادئ الاشتراكية التي كانت تفرض تدخل السلطات العمومية في تنظيم تسيير و توجيه المؤسسات العمومية الاقتصادية على جميع المستويات إنتاجا  توزيعا و خدمات.

 

-  أن العقاب الإداري يتلاءم أكثر مع خصوصيات الاقتصاد الحر الذي يقتضي التقليل من ظاهرة الردع الجزائي في مجال المعاملات الاقتصادية عكس  ما كان يتميز به نمط الاقتصاد المسير.

 

-  أن العقوبات الإدارية هي مبدئيا انسب لردع المخالفات الاقتصادية من العقوبات الجزائية الني تتمثل أساسا في المساس بحرية الأفراد و/أو توقيع غرامات جزائية محددة مبالغها سلفا بينما تتمثل العقوبات الإدارية أولا في توقيع عقوبات مالية محددة عموما بنسب من رقم أعمال المتعامل الاقتصادي المرتكب للمخالفة وثانيا في توقيع عقوبات مقيدة لحقوق مرتكبي الجرائم الإدارية كغلق المؤسسات, سحب رخص الاعتماد  ورخص الاستغلال أو منع ممارسة بعض العمليات, التوقيف المؤقت عن النشاط أو توجيه الإنذارات و التوبيخ وغيرها من العقوبات المختلفة باختلاف طبيعة نشاط القطاع. تتناسب العقوبات الاقتصادية في جميع الحالات مع درجة الأضرار المترتبة عن المخالفة المرتكبة مما يجعلها انسب ردعا وأكثر فعالية.

 

-  أن العقاب الإداري هو أكثر مرونة وسرعة لمواجهة المتغيرات الاقتصادية مما يؤهله لردع المخالفات الاقتصادية والجرائم الإدارية بصفة عامة على نحو أفضل من العقاب الجزائي الذي تتميز إجراءاته بالبطء كما هو الشأن بالنسبة لعموم الدعاوى القضائية. السرعة في ردع المخالفات تضمن استقرار المعاملات وتدعم عنصر الثقة الذي يعد عنصرا أساسيا في المعاملات التجارية.

- أن العقاب الإداري هو وسيلة ناجعة لمحاربة ظاهرة الفساد المعروف عنها الترعرع في حالات اللاتنظيم واللاعقاب. نجاعة العقاب الإداري في مجال محاربة الفساد مستمدة من كون السلطة التي  تتكفل  بتنظيم القطاعات الاقتصادية وبعقاب المخالفات هي سلطة واحدة. لا يمكن محاربة الفساد بكيفية ناجعة اعتمادا فقط على الردع الجزائي المنصب أساسا على شخص الجاني.

 

          بالنظر إلى كل هذه الاعتبارات وغيرها يمكن الاستنتاج بأن العقاب الإداري يوفر ضمانات أكثر لحسن سير النشاطات الاقتصادية المضبوطة وعلى عكس هذا فإن للعقاب الجزائي تبعات كثيرا ما تؤدي إلى نتائج غير مرجوة تنعكس سلبا على مختلف عوامل الاقتصاد وعلى مسيري المؤسسات الاقتصادية العمومية بشكل خاص. يضطر المسيرون في الكثير من الأحيان إلى عدم القيام بمبادرات شخصية للارتقاء بمؤسساتهم تفاديا لارتكاب أخطاء مهنية تعرضهم لمتابعات جزائية تنال من حرياتهم الشخصية في نهاية المطاف. هذا التخوف المبرر على أكثر من صعيد هو من الأسباب التي أدت إلى تقهقر القطاع العام.

 

          إن الإلمام الدقيق بمظاهر انتفاع الاقتصاد من الأخذ بنظام العقوبات الإدارية  يستدعي من الأجدر مساهمة ذوي الاختصاص من رجال الاقتصاد وعلوم التجارة والتسيير وقانون الأعمال وغيرها من التخصصات العلمية ذات الارتباط بعالم الاقتصاد.

 

         إن  صيرورة العقاب الإداري طريقا بديلا  للدعوى الجزائية أمر لا تقتضيه عوامل النجاعة فحسب  بل تقتضيه كذلك عوامل أخرى مستمدة من كون العقاب الإداري  يسهر على احترام الحقوق والحريات مثله في ذلك مثل العقاب الجزائي. 

 

 

ثانيا: العقاب الإداري ليس أقل حرسا من العقاب الجزائي على احترام الحقوق والحريات

 

         يخضع العقاب الإداري كالعقاب الجزائي إلى مجموعة من المبادئ والضوابط التي يجب مراعاتها تحت طائلة بطلان إجراءات العقاب.

         تخضع الجرائم الإدارية والعقوبات المقررة لها مثل العقوبات والجرائم الجزائية إلى مبدأ الشرعية. مبدأ الشرعية مكرس في مختلف النصوص المنشأة للسلطات الإدارية المستقلة حيث تتضمن تحديد جميع المخالفات المعاقب عليها من طرف سلطات الضبط كما أنها تتضمن تحديد جميع العقوبات المقررة لها. فلا جريمة إدارية ولا عقوبة إدارية إلا بنص قانوني.

         يشترط لقيام الجريمة الإدارية ما يشترط لقيام الجريمة الجنائية من أركان: ركن شرعي ركن مادي و ركن معنوي كما اخضع المشرع العقوبات الإدارية لنفس المبادئ التي تخضع لها العقوبات الجزائية كمبدأ شخصية الجزاء و مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة وتقادم العقوبة.

         يتبين من مراجعة القوانين المنشاة لسلطات الضبط الاقتصادي أن سلطة توقيع العقاب مقيدة بضرورة توفير ضمانات قانونية للمعاقبين منها على وجه الخصوص ضمان حق الدفاع, وجاهية الإجراءات, شفافية التحقيق, علانية الجلسات والنطق بالعقوبات  وتقادم الدعوى وحق الطعن القضائي.

 

         إن عدم احترام سلطات الضبط عند ممارستها سلطة العقاب لمبدأ الشرعية ولمختلف المبادئ القانونية الأخرى وكذلك جميع الضمانات المقررة قانونا  يعرض إجراءات المحاكمة الإدارية إلى البطلان من قبل الجهة القضائية المخول لها اختصاص الفصل في الطعون المرفوعة ضد قرارات العقاب الإداري الصادرة عن سلطات الضبط.

         يعتبر الطعن القضائي في القرارات العقابية الصادرة عن سلطات الضبط الاقتصادي أهم ضمانة لحماية حقوق المعاقبين إداريا. هذا الطعن هو حق مكرس في جميع النصوص المنظمة للسلطات الإدارية المستقلة. باعتبار أن قرارات العقاب هي ذات طابع إداري لكونها صادرة عن سلطات إدارية مركزية فان عموم النصوص القانونية تعطي لمجلس الدولة اختصاص الفصل في الطعون المرفوعة ضد قرارات العقاب الإداري باستثناء القرارات العقابية الصادرة عن مجلس المنافسة التي يتم الطعن فيها أمام الغرفة التجارية لدى مجلس قضاء الجزائر عملا بنص المادة      إن منح مجلس الدولة اختصاص ابتدائي وانتهائي في هذا الخصوص لا يسمح للمعترضين قضائيا على العقوبات الإدارية المسلطة عليهم التقاضي على درجتين كما لا يوفر لهم إمكانية الطعن بالنقض. لا بد في هذا الصدد من إعادة النظر في  تنظيم القضاء الإداري بإنشاء درجة ثانية للتقاضي والاحتفاظ بمجلس الدولة كجهة طعن بالنقض كما ينبغي منح اختصاص الفصل في الطعون المرفوعة ضد قرارات العقاب الإداري إلى قاضي تجاوز السلطة الفاصل في أول درجة حتى يستفيد المعترضون من جميع درجات الطعن القضائي. 

 

           من أهم الضمانات كذلك تأكيد عدم الجمع بين العقوبات الإدارية و العقوبات الجزائية عندما يكون الفعل الواحد معاقبا عليه إداريا و جزائيا و فيما بين العقوبات الإدارية عندما يكون معاقبة الفعل الواحد يؤول إلى اختصاص أكثر من هيئة ضبط كمجلس المنافسة الذي له اختصاص أفقي يشمل معاقبة كل الأفعال المنافية للمنافسة المشروعة في أي قطاع اقتصادي أو مالي تكون قد حصلت فيه بينما لهيئات الضبط الأخرى اختصاص معاقبة المخالفات الواقعة ضد النصوص المنظمة للقطاع الذي تعنى به. انتبه المشرع لهذا التقاطع فادخل تعديلات على قانون المنافسة ليضع على عاتق مجلس المنافسة عند وجود تقاطع واجب إخطار هيئة الضبط المعنية[15].

 

 

ثالثا : رد الاعتبار للمنظومة العقابية

      أصبح المواطن يعاني من  توسع اختصاص القاضي الجزائي إلى مخالفات لا تستدعي المتابعة الجزائية لكونها لا تشكل خطرا على المجتمع ولا على حقوق الناس. إن إفراط المشرع في تبني سياسة تجريم شملت مخالفات مصنفة الى ثلاثة درجات في قانون العقوبات وعدد آخر لا يحصى من المخالفات مكرسة في نصوص قانونية خاصة, أدى إلى ارتفاع مستمر في  قضايا الجنح والمخالفات  وفي نسبة الإجرام وبالتالي حصول اكتظاظ في دور إعادة التربية التي لم تعد تفي بمهامها التربوية.

      أصبح القاضي الجزائي يعاني هو بدوره من حجم القضايا التي يتكفل بمعالجتها على مستوى الدرجة الأولى وكثيرا ما يتم ذلك على حساب نوعية الفصل في القضايا مما يؤدي إلى ارتفاع في نسبة الاستئنافات والطعن بالنقض. لا يمكن مطالبة القاضي الجزائي بالنوعية إذا كانت اهتمامات الكم تفوق كل اعتبار.

      يستحسن البحث عن طرق بديلة للدعوى الجزائية بدلا من الاعتكاف على تشييد السجون وديار إعادة التربية.

 

       تشترك العقوبات الإدارية مع  العقوبات الجزائية في كونهما ذا طبيعة ردعية تهدف حماية مصلحة يحميها القانون لكن جوهر الاختلاف بينهما يتمثل في أن العقوبات الإدارية ليست سالبة للحرية وتختلف باختلاف طبيعة نشاط القطاع.  

         كانت المادة 172 من قانون العقوبات المعدل في 1990 تجرم المضاربة غير المشروعة وكانت العقوبة المقررة تتراوح بين ستة أشهر إلى خمس سنوات بالإضافة إلى إمكانية توقيع غرامات مالية ثم جاء قانون المنافسة المؤرخ في 25-01-1995 ليتضمن فصلين كاملين, فصل حدد الممارسات المنافية للمنافسة المشروعة, وفصل تضمن تحديد العقوبات التي يتولى مجلس المنافسة توقيعها على المخالفين.            

       

          يتحلى نظام العقوبات الإدارية عن باقي البدائل الجنائية الأخرى بمجموعة من الخصائص:

 

ـــــ أنه الطريق البديل الوحيد الذي يعتبر بمثابة تحول عن الإجراء القضائي DEJUDICIARISATION بمعنى أن توقيع العقاب أصبح يتم خارج سلطة القضاء وانه لم يعد اللجوء إلى القضاء ضرورة حتمية لمعاقبة جميع المخالفين للتشريع والتنظيم.  من شأن هذا التحول تخفيف العبء على جهات القضاء الجزائي وبالتالي السماح لها بضمان تكفل أحسن بالقضايا المعالجة.

 

 ــــــــ أنه يجسد ظاهرة الحد من التجريم  DECRIMINALISATION بمعنى أن نظام العقاب الإداري يستدعي نزع الوصف الجزائي عن الجرائم التي تتولى السلطات الإدارية معاقبة مرتكبيها. انطلاقا من هذا المعنى يمكن القول بأن نظام العقاب الإداري يقلل من تضخم التشريع العقابي في الجزائر الناتج في السابق عن تبني سياسة جنائية صارمة ترمي إلى تجريم كل سلوك مناف للاختيارات الاشتراكية.

 

ـــــــ أنه يجسد كذلك ظاهرة الحد من العقاب الجزائي DEPENALISATION . أن نزع الوصف الجزائي للأفعال لا يعني أنها تصبح مباحة بل تبقى ممنوعة ومعاقب عليها بصفتها جرائم إدارية. في هذه الحالة يصبح العقاب الإداري ولو بنسبة متواضعة بديلا حقيقيا للعقاب الجزائي بالنسبة لبعض الجرائم الأقل خطورة. من شأن هذا التوجه التقليل على الأقل من ظاهرة السوابق القضائية وما لها من نتائج سلبية على المجتمع وعلى الأفراد.

 

ـــــــ أنه يجسد من جهة أخرى سياسة الحد من السجنDEPRISONALISATION  بمعنى أن العقوبات الإدارية هي غير سالبة للحرية ولا يحتاج تنفيذها زج المعاقبين في غياهب السجون. من شأن هذا الأمر ضمان حرية الناس وكرامتهم من جهة وإعفاء المجتمع من تكاليف إعادة إدماج المعاقبين إداريا.

 

         إن انتهاج سياسة الحد من العقاب الجزائي أمر لا بديل عنه لمسايرة تطور تشريعات الكثير من الدول وفي مقدمتها ألمانيا منذ 1975 وايطاليا منذ 1981 اللتان تعتبران من الدول الرائدة في إقرار نظام متكامل للعقوبات الإدارية في مواجهة الجرائم الأقل جسامة وخطورة مثل الجنح البسيطة والمخالفات. كما انه أمر ضروري لجعل العقوبة وسيلة تربوية بالدرجة الأولى وليس فقط وسيلة قمعية الهدف منها الانتقام من مخالفي القانون.

        في هذا الإطار لابد من مراجعة المنظومة القانونية العقابية انطلاقا من قانون العقوبات إلى الأحكام الجزائية التي تتضمنها النصوص الخاصة من أجل نزع الوصف الجزائي على الأفعال المنوه والمعاقب عليها بغرامات مالية لا تغطي حتى المصاريف القضائية. إن العقوبات المخصصة للجنح البسيطة التي يعاقب عليها بالحبس القصير المدة لم تعد تفي بالغاية من وجودها ولذا ينبغي حصر العقوبات الجزائية السالبة للحرية لردع الأفعال التي تشكل خطرا جسيما على المجتمع وعلى حقوق وحريات الناس فقط.

         ينبغي كذلك نزع الوصف الجزائي عن الجرائم التي ليس فيها ضحايا وهناك أمثلة كثيرة لهذا النوع في جميع القوانين منها على سبيل المثال قانون المرور, الصيد, البناء, التجارة, والصحة وغيرها من الميادين. ليس من المعقول معاقبة مستهلكي المخدرات والمتشردين جزائيا في حين أن هؤلاء هم بحاجة إلى الرعاية والحماية. لابد كذلك أن يمتد نزع الوصف الجزائي إلى مجالات أخرى لا تقل أهمية كالعمل الطبي والتوثيق وغيرهما من المهن المنظمة التي أصبح ممارسوها يعانون من شبح المتابعات الجزائية مثلهم مثل مسيري القطاع العام والصحافة المكتوبة.

       لا بد من انتهاج سياسة جنائية محكمة تهدف إلى الحد من العقاب الجزائي لان الفوائد المترتبة كثيرة ومن شأنها المساهمة في إرساء ثقة المواطن في قانون وعدالة بلاده ورد الاعتبار لهما.         

 

الأستاذ غناي رمضان                            

         

 

 

               

 

 

 

 

                  

            



[1]  أخذ قانون الإجراءات الجزائية منذ 1966 بالمصالحة كسبب لانقضاء الدعوى العمومية " إذا كان القانون يجيزها صراحة" قبل منعها بموجب الأمر 75/46 لمدة إحدى عشرة سنة ثم الأخذ بها من جديد بموجب القانون 86/05  الساري المفعول إلى يومنا هذا. تنص المادة 6/4  من ق.إ.ج على ما يلي : " كما يجوز أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة إذا كان القانون يجيزها صراحة"

[2]  تنص المادة 381 من ق.إ.ج على انه :" قبل كل تكليف بالحضور أمام المحكمة يقوم عضو النيابة العامة المحال عليه في محضر    لمخالفة بإخطار المخالف بأنه مصرح له بدفع مبلغ على سبيل غرامة صلح مسا للحد الأدنى المنصوص عليه قانونا لعقوبة المخالفة" كما تنص المادة 389 على أنه " تنقضي الدعوى العمومية بقيام المخالف بدفع مقدار غرامة الصلح"

 [3]  تنص المادة 392 /1 من ق.إ.ج  " يمكن أن تنقضي الدعوى العمومية الناشئة عن مخالفة, في المواد المنصوص عليها بصفة خاصة في القانون, بدفع غرامة جزافية داخلة في قاعدة العود"

[4]   أخذ قانون الجمارك الصادر بتاريخ 21ـ/07/1999 بالمصالحة تحت تسمية التسوية الإدارية في الفترة التي كان فيها قانون الإجراءات الجزائية يمنع انقضاء الدعوى العمومية بالمصالحة. ثم جاءت المادة 265 فقرة 8 من القانون 98/ 10 المعدل لقانون الجمارك لتكرس لحد الآن مبدأ انقضاء  الدعويين العمومية والجبائية بالمصالحة. ينبغي التنبيه إلى عدم جواز التصالح بخصوص أعمال التهريب عملا بالمادة 21 من القانون 05 - 06.

 

[5]   كرست المادة التاسعة مكرر من الأمر 96/22 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من والى الخارج انقضاء الدعوى العمومية بالمصالحة  وكانت المادة ,,,, من نفس الأمر تمنع النيابة العامة تحريم الدعوى العمومية الا بعد حصولها على إذن مكتوب من طرف الوزير ,,,, .

 

[6]  يعتبر صفح الضحية وتنازلها عن الشكوى سببا لوضع حد للمتابعة الجزائية في جرائم الزنا النصب وخيانة الأمانة الواقعة بين الأقارب والأصهار وفي جريمتي الإهمال العائلي و عدم تسديد النفقة. 

 

 [7] اشتراط تقديم شكوى لقيام المتابعات الجزائية الخاصة بالجرائم السالفة الذكر المنوه والمعاقب عليها بموجب المواد   339, 369, 373 و377 من قانون العقوبات.

[8]  إعفاء الأقارب من العقاب  في جريمة عدم الإبلاغ عن المجرمين (م     ق ع ) وفي السرقات المرتكبة من الأصول إضرارا بالفروع ومن الفروع إضرارا بالأصول أو من احد الزوجين إضرارا بالزوج الأخر ( م 368 ق.ع)

[9]  تم إلغاء عقوبة الإعدام بالنسبة لجرائم الأموال طبقا للمادة    من ق ع .

[10]   غناي رمضان " سلطات الضبط الاقتصادي ....." مجلة المحكمة العليا رقم     

 
 
Vous avez une question ?

Posez gratuitement toutes vos questions sur notre forum juridique. Nos bénévoles vous répondent directement en ligne.

1 Publié par Visiteur
02/05/2013 23:11

كيف تنقضي العقوبة الإدارية من فضلكم أريد الجواب على الإيمايل الخاص بي

2 Publié par sihem hb
03/05/2013 22:45

أرجوا من سيادتكم إفادتنا بموضوع انقضاء العقوبة الإدارية

3 Publié par Visiteur
22/12/2015 20:43

من فظلكم اريد النص الكامل للبحث الخاص بالاستاذ غناي رمضان تحت عنوان منافع العقاب الاداري كطريق بديل للدعوى الجزائية ، وكل ما يتعلق برفع التجريم عن افعال التسيير في المؤسسات العمومية الاقتصادية

4 Publié par Visiteur
18/03/2016 15:32

من فظلكم اريد النص الكامل للبحث الخاص بالاستاذ غناي رمضان تحت عنوان منافع العقاب الاداري كطريق بديل للدعوى الجزائية mon mail cest naima-maram@outlook.fr le theme de ma these ces العقوبة الادارية كالية لضمان فعالية الضبط الاقتصادي ال
من فضلكم اريد كل ما لديكم يتعلق بهذا العنوان

Publier un commentaire
Votre commentaire :
Inscription express :

Le présent formulaire d’inscription vous permet de vous inscrire sur le site. La base légale de ce traitement est l’exécution d’une relation contractuelle (article 6.1.b du RGPD). Les destinataires des données sont le responsable de traitement, le service client et le service technique en charge de l’administration du service, le sous-traitant Scalingo gérant le serveur web, ainsi que toute personne légalement autorisée. Le formulaire d’inscription est hébergé sur un serveur hébergé par Scalingo, basé en France et offrant des clauses de protection conformes au RGPD. Les données collectées sont conservées jusqu’à ce que l’Internaute en sollicite la suppression, étant entendu que vous pouvez demander la suppression de vos données et retirer votre consentement à tout moment. Vous disposez également d’un droit d’accès, de rectification ou de limitation du traitement relatif à vos données à caractère personnel, ainsi que d’un droit à la portabilité de vos données. Vous pouvez exercer ces droits auprès du délégué à la protection des données de LÉGAVOX qui exerce au siège social de LÉGAVOX et est joignable à l’adresse mail suivante : donneespersonnelles@legavox.fr. Le responsable de traitement est la société LÉGAVOX, sis 9 rue Léopold Sédar Senghor, joignable à l’adresse mail : responsabledetraitement@legavox.fr. Vous avez également le droit d’introduire une réclamation auprès d’une autorité de contrôle.

Retrouvez-nous sur les réseaux sociaux et sur nos applications mobiles